في أحد العيادات ، وكالعادة جولة صباحية يقوم بها الطلاب والأطباء المقيمين برفقة أحد الأخصائيين أو الإستشاريين ، حسب الجدولة المتبعة كان اليوم المنتظر برفقة إستشاري جراحة المسالك وهو أحد أربعة أشخاص فقط في العالم المتخصص في جراحة سرطان غدة البروستات ( السرطان الأكثر إنتشاراً في الرجال ) .
من خبرتي الفارطة أن ألم البنكرياس هو (الألم الأشد والأسوء على الإطلاق ) كإشارة إنه في حال كان المريض غير قادر على الجلوس من ألم في الخصر أو الظهر فإنه يتم تقديم إحتمالية أن يكون الخلل في البنكرياس الأكثر ريبة ، هذه المعلومة مثبتة من خلال الإحصائيات فقط والإنطباع العام من خبرات الأطباء المختصين وموجود في أكثر من كتاب باطنة وجراحة ..إلخ .
كانت أحد الحالات لمريض يتلوى من ألم في أعلى الفخذ ومنطقة الخصر ومن المستحيل أن يكون الألم في البنكرياس كون الألم شمل الفخذ ، بعد أن تداولنا التحليلات مع الإستشاري وقمنا بالبرتكول المتبع إكتشفنا أن مشكلة المريض إلتواء في الحالب ، بعد إرسال المريض لقسم الجراحة لعلاج حالته الطارئة قال الإستشاري : إن ألم الحالب هو أسوء وأشد ألم يمكن أن يشعر به المريض على الأطلاق ..! .
وبصوت واحد قلنا : إنه من المعروف أن البنكرياس هو المتصدر لقائمة آلام الأحشاء ، حباً بالله يا استاذنا العظيم كيف تقول لنا أن الحالب هو الأشد أيضاً ؟ .
قال بإبتسامة العظماء : ( إن كل ألم هو الأسوء ) ..! ، قد يكون ألم الشفة نتيجة طفح جلدي في الفتى مؤرقاً له أكثر من والده الذي يصارع النوبات القلبية ، قد تتأسى الفتاة لمجرد جرح إصبعها بسكين الخضار بمراحل أبعد من أنها تعتصر ألم لأمها التي تتمنى أنها لا تمتلك ثدياً عاث فيه السرطان فسادا وجعل من جسمها كتلة ألياف .
هي سنة الشعور ، ما أشعر به حيال ألم شخص ما هو ذاته ولا يعني له سوى الشفقةسواءاً وصل حد الجنون أم بقي على بساط التمني ، الأمور المعنوية والتظاهر بالأسف والشفقة بالإمكان تضخيمها بقدر ما يمكن تحجيمها ..!
على النقيض تبقى المساندة الملموسة لكل من يشعر بالألم هي الفاصل في معاناة كل من به ألمٌ ، قد لا أملك قلباً رحيماً ولا يشار لي البنان بأني صاحب الظل الطويل لكني أؤمن أنه بمقدوري أن أساعدك في لحظة بما يساوي كل من يقدمه لك أصحاب المواساة والدموع .
وبما أن كل ألم هو الأسوء ، إذاً نحتاج للمساندة فقط لا للشفقة لأن كل شفقة هي الأضعف ..!